وعدنا إلى العادة عند الالتقاء في تجاذب أهداب الآداب، وفتق نوافج الأخبار والأشعار، أفضت بنا شجون الحديث إلى هذا الكتاب، فقال لي - صدق الله قوله، ولا أعدم الدنيا طوله -: إنك إن أخذت فيه أجدت وأحسنت، وليس إلا أنت، فقلت: سمعاً سمعاً، ولم أستجز لأمره دفعاً؛ فأقام لي في التأليف معالم أقف عندها، وأقفو حدها، وأهاب [بي] إلى ما اتخذته قبلة أصلي إليها، وقاعدةً أبني عليها: من التمثيل والتنزيل والتفصيل والتقريب والتقسيم والترتيب، وانتجعت من الأئمة الخليل والأصمعي وأبا عمرو والكسائي وأبا عبيد وأبا زيد، ومن سواهم من شيوخ العلماء، وظرفاء الأدباء، الذين جمعوا فصاحة البلغاء إلى إتقان العلماء، ووعورة اللغة إلى سهولة البلاغة، وأقتبس (?) من أنوارهم:
وأجتني من ثمار قومٍ قد أقفرت منهم البقاع
ومن كلامه في صدر كتاب اليتيمة
لما كان الشعر عمدة الأدب، وعلم العرب الذي اختصت به على سائر الأمم، وبلسانهم جاء كتاب الله المنزل، على النبي منهم المرسل، عليه السلام الأجزل، كانت أشعار الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين، وأشعار المحدثين [ألطف من أشعار المتقدمين] ثم كانت أشعار العصريين أجمع لنوادر المحاسن، وأنظم للطائف البديع من أشعار سائر المذكورين، لانتهائها إلى أبعد غايات الحسن، وبلوغها أقصى نهاية الجودة والظرف، تكاد تخرج من باب الإيجاز (?) إلى الاعجاز، ومن حد الشعر إلى السحر، وكأن الزمان ادخر لنا من نتائج خواطرهم، وثمرات قرائحهم، وأبكار أفهامهم، أتم الألفاظ والمعاني استيفاءً لأقسام البراعة وأوفرها [نصيباً] من كمال الصنعة ورونق الطراوة.