ابن عباد وجاد صبره، وحرض غلمانه العجم، فشدت الجماعة على يحيى شدة منكة، وحدروا من ذلك التل الذي تسنموه فانكسروا، وصرع في ذلك قوم وتمادى الطلب وراءهم بعد مواقفة عظيمة، فصرع يحيى وحز رأسه، وطير به إلى ابن عباد بإشبيلية فخر ساجداً وسجد من حضر لسجوده، وانطبق البلد فرحاً، واستمرت الهزيمة على أصحاب يحيى، حتى ساء ذل محمد بن عبد الله، وبدت عصبيته لقومه، وكلم ابن عباد في رفع السيف عنهم فأطاعه في ذلك، وتم لابن عبد الله ما أراد من حقن دماء قومه، إذ لم يأت الذي أتاه إلا عن ضرورة، ولم يتلعثم أن أسرع الركض إلى قرمونة دون إسماعيل بن عباد، فجاءها لوقته وقد ملك سودان يحيى أبوابها على أهلها، فدنا إلى مكان عورتها من سورها الجوفي وقد عرفه، ففتح له ودخل من ساعته دار يحيى وحاز جميع ما ألفاه من مال ومتاع، واشتمل على نسائه وأباح حرمه لبنيه، واستحل حرامهن، واستوى في مجلسه، ونصر نصراً لا كفاء له، ورد الله عليه ملكه، ثم لم يجده على ذلك شاكراً للنعمة، ولا مقصراً عن ارتكاب المعصية. وسقط الخبر بمقتل يحيى على أهل قرطبة فما صدقوه من الفرح.

قال أبو عامر: ومما يلزم المدعي لصناعة الكلام إذا اعتمد وصف حالة أن يسوفي جميعها، ويكون ما يطلبه من الإبداع والاختراع فيها غير خارجٍ عنها وما هو بسبيلها، فذلك أبهى لكلامه، وأفخم للمتكلم به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015