وكأني بفقده وهو عند الدراج من أنعم الأعراس، ومن الوحشة منه وهي بين سراب الطيور من ألذ الإيناس، لأنها أريحت بعده من حتفها العاجل، وسمها القاتل، وأجلها القاصر، ووجلها الحاضر، وعقلة قوادمها وخوافيها، ودهشة نواظرها ومآقيها، والكوكب المنقض (?) على مسارحها، والسهم القاصد إلى مذابحها، والآفة التي كانت حرمت بها حسن الرياض المونقة، وثكلت برد الغدران المغدقة، وتنغصت مشاهدة هذا الجو الرقيق الشمائل، اللازوردي الغلائل، حتى صارت لا تلتذ بوكر تبنيه، ولا بفرخ تغذيه، علما بأن لها منه مفرق العدد، وفاجع الوالد بالولد؛ ولو علمت هذه الأطيار الشامتة بفناده، السالكة سبيل الأشر بافتقاده، بما يعده سيدنا لها من ذي ظفر مظفر، ومنسر للطير ميسر، وخلف صالح، وجارح جارح، أشد لها منه اصطلاما، وأسد إلى مقاتلها سهاما، لعلمت أن كثرتها استجماع (?) له، وأن وفورها توفير عليه.
وفي فصل منها: وما ألوم المارق على ملله وانحياشه، لأنه كان قد تعود أن يصيد بمقدار قوته ومعاشه، فصار سيدنا يستخدمه بهمة تطلب الغاية البعيدة، وتستهل / [134] المشقة الشديدة، التي هزلها جد، وجورها قصد، ولعبها ارتياض، يتصير من لم ينقد إليها سريعا، [ذا] ضراوة على اقتناص من لم ينته إلى أوامرها مطيعا، فلم يطق على ذلك جلدا، ولم يجد بهذا الأمر الفادح يدا، فما أشد بسطي لعذره، ومعرفتي بسبب غدره، وآمل أن يتذكر ما كان له بفنائه من نعيم، خياله بين عينيه، وطيب عيش، تذكره أجدى له من حماقيه، فتدعوه عواطف التربية والإيثار، وتزول عنه عوارض السهو والاغترار، فيعود غلة رسمه، ويعوذ من جرمه، ويرجع وقد أدبته النكبة، وهذبته الغربة.