{كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً} (النور: 39) لا يستحق صاحبه غير أن يكون تلعابةً، أو صاحب براعة. وإنما يستحق اسم الصناعة بتقحم بحور البيان، وتعمد كرائم المعاني والكلام، وأن ينطق بالفصل، ويركب أثباج الجد، ويطلب النادرة والسائرة، وينظم من الحكمة ما يبقى بعد موته، ويذكر بعد فوته، ويتصرف تصرف الملح، ويتلون تلون أبي براقش. ونحن نرجو أنا ذهبنا بقولنا هذا مذهباً كريماً من الكلام:

ولما رأيت الليل عسكر قره ... وهبت له ريحان تلتطمان

وعمم صلع الهضب من قطر ثلجه ... يدان من الصنبر تبتدران

رفعت لساري الليل نارين فارتأى ... شعاعين تحت النجم يلتقيان

فأقبل مقرور الحشا لم تكن له ... بدفع صروف النائبات يدان

فقلت: إلى ذات الدخان، فقال لي ... وهل عرفت نار بغير دخان -

فملت به أجتره نحو جمرةٍ ... لها بارق للضيف غير يمان

إذا ما حسا ألقمته كل فلذةٍ ... لفرخة طير أو لسخلة ضان

فما زال في أكل وشرب مدارك ... إلى أن تشهى الترك شهوة واني

فألحفته فامتد فوق مهاده ... وخداه بالصهباء تتقدان

وما انفك معشوق الثواء نمده ... ببشر وترحيب وبسط لسان

تغنيه أطيار القيان إذا انتشى ... بصنجٍ وكيشار وعود كران

طور بواسطة نورين ميديا © 2015