هذا بقرطبة عيشة راضية في سرور وحبور وقتاً، إلى أن ساءت الأيام بطامة ففارقها بغصة، وكان من محاسنه أنسه بالأدب، وغلبة أهله على خاصته، ولم يكن في مغدىً ولا مراح، فتجملت آثاره بهم، وسارت أقوالهم فيه، وكان من ألهجهم بذكره أبو عامر بن شهيد، له معه أخبار مأثورة مشهور. شاهدتهم ليلةً في مجلسه [و] طفيلةً صغيرةً عجيبة الخلق كانت تسقيهم [تسمى] أسماء عجبوا من مكابدتها السهر معهم، على صغر سنها، وحسن قيامها بخدمتهم، فسأله ابن المظفر وصفها فقال:
أفدي أسيماء من نديمٍ ... ملازمٍ للكؤوس راتب
قد عجبوا في السهاد منها ... وهي لعمري من العجائب
قالوا: تجافى الرقاد عنها ... فقلت لا ترقد الكواكب قال أبو عامر وابن حيان: واستوحش أبو عامر ابن المظفر هذا من هاشم المعتد ووزيره حكم بن سعيد القزاز، وكانوا قد رموه بذنب سليمان بن هشام الناصري، فلما خاف دبر الفرار، وخرج في لمةٍ من ثقات أصحابه وأعوانه، وحمل معه عيون ذخائره وخاصة حرمه، وقطع أرضاً بعيدة، ولم يعلم المعتد بخبره، إلى أن جاء خبر اجتيازه قرطبة راجعاً على عقبه من شاطبة، لم يتفق له فيها ما أراد، فكر إلى ابن عبد الله بقرمونة مستجيراً به في ظنه، فأحلف ابن عبد