جرأتها بمثل القدر المتاح، لينة الوبر كالسمور، سوداء الشعر كالديجور، مأمونة الجيب، بظهر الغيب، عظيمة النفس، لطيفة الحس، أمينة على اللحم الموضوع، ولو شفها فرط الجوع، وما خانت قط أمانة، ولا رضيت يوماً خيانة، فهي عوذة الدار، من الفار، وعهد الأمان، من الجرذان.
قال ابن بسام: وكانت للأديب القعيني هذا جارية سوداء كلف بها ثم باعها، وندم فحاول استرجاعها، فزعم المبتاع أنها حامل - وللقعيني في ذلك أشعار كثيرة - فكتب أبو عبد الله هذا رقعةً قال فيها: كشف الله عن قلبك أيها الأديب الحسيب زين الشهوة، ومحا من لبك شين الهفوة، فعلى رأيك يعتمد من اختلفت آراؤه، وبهديك يهتدي من أضل القصد، وبه يقتدي من عدم الرشد. ونقل إليّ بعض من يعرف أحوالك، ويشارف فعالك، خبراً يصم السمع، ويضيق الذرع، وذلك أنك نبذت من يدك كرتك المتكشفة، فتلقاها من أحمدت صولجانه، وأخرجت عن ملكك ضفدعتك المريعة، فتناولها من استحسنت غدرانه، وبلغك من إقبالها عليه، وانصرافها، بكليتها إليه، ما أضرم قلبك شوقاً لا تخبو ناره، وسلّ الوجد بها عضباً لا ينبو غراره، فأنشرت للناس من نفسك قيس الأخيلية، وأحييت لهم منك مجنون العامرية، وعضضت على بيعتها أناملك، وأنضمت في طلبها زواملك، وأطلت في وصف شوقك لها وأوجزت، وقصدت في ذكر الأسف عليها ورجزت، وجمعت لها من المحاسن ما