أنفاس معدودة، وآجال محدودة، وليس بناج من محتومها أحد، ولا لمخلوق منها ملتحد، وانتهى إليّ - سهل الله الصبر الجميل سبيلك، وأطفأ ببرد السلوان غليلك - نبأ جلل، وخطب معضل، وهو مصابك بشقيقه نفسك، وموضع راحتك وأنسك، وربيبة حجرك وحجرتك، وآلة حيطتك على حنطتك، وكالئة ذخائرك وقنيتك، واستحواذ فجيعتها على لبك، وما عالجتها به من ذرورٍ وحنوط، وإشفاقك من تعجيل إسلامها إلى التراب، وإبقائك إياها طويلاً في المحراب، وألبتك عليها لتدعون إلى [112] جنازتها مأتماً يشققن عليها المدارع، ويفضن من الوجد بها غروب المدامع، ويعولن عليها بالضراخ والنياح، ويذرين لمصرعها شعورهن مع الرياح.
وفي فصل: ولست بناسٍ ذكر تلك الملح التي كتبت تصف من أخلاقها وآدابها، والمدح التي تورد في أعراقها وأنسابها، والغرائب التي تذكر عن قوتها وأيدها، وحيلها وكيدها، ومكرها بالفار وصيدها، ولعمري ما أفرطت في نعتها بل فرطت، وما صرحت بجميع محاسنها بل لوحت، فلقد كانت لبؤةً إلا أنها تدعى هرة، ونمرةً إلا أنها أكثر منها شرة، ذات نابٍ مطلول، وساعد مفتول، وخصر مجدول، ريانة الكاهل، ظمآنة الأسافل، تطير من قوائمها بأسرع من الجناح، وتستضيء من عينيها بأنوار من المصباح، وتعتد من مخالبها بأمضى من السلاح، وتسطو من