كان يعالج السقطَ بسويقة أبن أبي سفيان في قرطبة ببضاعة نزره. وأعلى ما انتقل إليه عند إكداء تلك الحرفة الاستخراج من جهة الأحباسِ، وراثة عن والده محمد السقاء. وبأسبابها خدم القضاة وتمرن مع الفقهاء، وهو يقتات معيشته مياومةً، ويأوي ليله الى بيتٍ في دويرة والده محمد بجوفي المسجد الجامع، يحاضرُ فيه جماعةً إخوةً لا يجد بينهم إلى مد ساقه سبيلاً. وما هو إلا أن حملَ الأمانة على كاهله، فوضفها أسفل رجله، وتذكر عضَ الكلابِ لعصاه، فتحول جرذاً للسرقِ والخيانة، وابتنى القصور المنيعة، واقتنى الضياع المغلة، إلى أملاك لا تحصى كثرة.
قال ابن بسام: وقد رأيت ابن حيان مدحَ ابن السقاء في غير ما موضعٍ من كتابه فيه في فصل:
وصار من المناجح للدولة الجهوريةِ أن استعانَ فيها الوزيرُ الرئيسُ أبو الوليدَ جهورٌ على أمره بالأمين أبي الحسن إبراهيم بنِ محمد، متولي النظر في المسجد الجامعِ على قديم الأيام، خادمه الكافي المنقطع إليه، ونصيحه المتهالك في طاعته. فتفرس فيه فراسة مثله. فقلده القيام بأعباء دولته، فأصاب نقافاً يخذم، ونفذ فيما يريد عنه كالسنان اللهذم، لجودة استقلاله، ورجاجة وزنه.
ثم ذكره بعد مقتله فقال: وهذه عصفة من عصفات الدهر الخؤون، الذي هو لمن أصغى إليه أنصح الواعظين [95] . قصفت من هذا الرجل