المخرجين شرار زناد، وأسرار عدوات وأحقاد، أحلاس السجون والأهوال، وبقايا القيود والأغلال. فلم يزد بموت ابن الحديدي وحياتهم على أن كان الشر سبباً فأصبح أسباباً، والناس حزباً فتفرقوا أحزاباً. وانتبذ ابن عبد العزيز لتلك الوهلة ببلنسية من جماعته، وخلع يده من طاعته، إلا هدنة على دخن، يتطارد له بصيدها، وينشده عن كيدها:
أحبك في البتول وفي أبيها ... ولكني أحبك من بعيد وفغر الطاغية أفونش بن فرذلند فمه على ثغوره المثغورة، فجعل لوقته يطويها طي السجل للكتاب، وينهض فيها نهضة الشيب في الشباب. وابن ذي النون يلقمه أفلاذ كبده، ويرجمه بسبده ولبده، وأذونش لعنه الله لا يقنع منه بصيد العنقاء، ولا ببيض الأنوق، بل يكلفه إحضار الأبلق العقوق، ويسومه درك الشمس، ويطلبه برد أمس. فلما أكل الإنفاق ثبج ماله، وأخذ الخناق بكظم احتياله، وأحس العدو المشاق بذلك من حاله، سما إلى معاقله المنيعة، وذرى أملاكه الرفيعة، عدد الأنام، ودروب الإسلام، فما راهنه منها عليه غلق، وما رام أخذه من يديه لم يدركه حتى مزق [73] .