وأنكرها من طول ما عرفها، فأيفن بالشر لا خلاص، ولات حين مناص، ثم وطن لمحنته، واتكأ فضل منته، فجاذبهم أطراف الخصام، وطلع عليهم من ثنايا النقض والإبرام، فقام ابن ذي النون من موضعه وابن الحديدي متعلق بأذياله، مستجير به من أقتاله. فشغبوا عليه وشغلوه، وأحاطوا به حتى قتلوه، فقضي الأمر. وانقضى العجز والصدر. ولما أحست العامة بقتله، وهمت بسلاحها من أجله، ثار أولئك المخرجون في وجوههم، أطلال في أسمال. فأخذ كل واحد منهم بطرف من الطريق، وذهب ممن كان هنالك من العامة بفريق، بين صديق لهم يسر، وعدو يفر، وتشاغلوا بنهب دور بني الحديدي حين عجزوا عن نصرته، وعلموا أن لا سبيل إلى كرته. ولم يكن إلا كاملا، حتى أصبحت حبلا رثا، وهباءً منبثا.

وظن ابن ذي النون [أنه] قد راع أحشاء الأيام بفتكة براضية، وهتك أستار الخطوب عن حيلة عمرية. ولعمري لقد راع ولكن آمن سربه، ولقد هتك ولكن حجاب قلبه، أخلى وجهه لشرار أغمار. لم تكن لهم أحلام تحجرهم، ولا حلوم توقرهم، أذبة شهوات، وفراش ضلالات، أغضى الزمان لهم هنية فظنوا أنهم قد أعجزوه وانتهزوه، فوجدهم مغترين ليس لهم سلاح إلا مقاتلهم، ولا بهم حويل إلا تدابرهم وتخاذلهم، ونفث على نفسه من أولئك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015