ويحسب كل صيحة عليه. وطفق أصحاب ابن ذي النون بزعمه يقولون: قد حذرك، وتيقن خبرك، ولا يصلح لك أبداً، ولا يرد عن مكروهك يدا. ومشت بينهما الرسل، وأعملت في اجتماعها الحيل، فركب إليه ذات يوم، وقد أخذ حذره، وحشد عرفه ونكره، واستبطن من كان تبعه يومئذ من الدهماء، وتعلق بركابه لمشهد أمره من الغوغاء. فملأوا أفنية القصر أسرع من الماء إلى الصبب، وأهول من النار في الحطب. فحين ارتفعت الأصوات، وغصن بهم العرصات، ارتاع ابن ذي النون، فأمر ابن الحديدي بالخروج، فخرج والدولة متعلقة بأذياله، وطبقات أعيانها عن يمينه وشماله، والعامة بين يديه ومن خلفه، يتمسحون بآثاره، ويرفلون في غباره، وهو يشكر صنيعهم، ويعم بالثناء جميعهم. وكان عندما أذكى عيونه، وحشر شياطينه، قد أوقع تهمته على شيخين من شيوخ الخدمة يدعيان مؤملاً وابن صروم، فأغرى العامة باستئصالهما، وتحبب إليهم [72] بنهبة أموالهما، فكانا عنوان الفتنة، وباكورة المحنة.

وقد حدثت أن ابنه أشار عليه يومئذ بالفراغ من شيعة ابن ذي النون ففيل رأيه، واستقصر سعيه، وبود طليطلة البائسة لو أنه فعل، ولو أمضاها ما اختلف بها اثنان، ولا انتطح فيها عنزان.

وزين هذا الحزب المعلن بشره، من شيعة ابن ذي النون المغلوب على أمره، لصاحبهم اللجاج في غدره، والتمادي على غلواء مكره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015