مقتل الفقيه أبي بكر بن الحديدي
فلما هلك المأمون بقطربة ونعي بطليطلة وماج بعضها في بعضها، وانطبقت سماؤها على أرضهلا، احتوشت إلى حفيده، اللابس لبروده، جملة ممن كان يتعلق بسببه، وينسب إلى وطء عقبه، وطفقوا يغرونه بأبي بكره، جماع أمره، ومظنة تأييده ونصره، لما كانوا يدبرون من التقلب عليه، ويتوهمون من ضعفه على ما في يديه، وخوفوه غوائل ختله، وزعموا أن سلطانه لا يتم إلا بعد الفراغ من قتله. وقد كان أثيره أبو سعيد بن الفرج ينهاه عن إخفار الذمام، ويخوفه سوء عواقب الأيام. فركب هواه، وخالف ناصحه وعصاه، وجرد قطعةً من جنده، وأمرها باستقبال تابوت جده في طريقهم من قرطبة، وأنهى إليهم سراً قتل ابن الحديدي المستقل بحمله، الناظم لأشتات فله. وقال لهم: إذا التقيتموه فكونوا حوله، وعظموا قوله، فإذا امكنتكم غرته، وبدت لكم ثغرته، فاقتلوه كيف أمكن، وعلى ما ظهر وبطن، ونما الخبر إلى ابن الحديدي فكفر بطاغوتهم، ونفض يديه من تابوتهم، ونكب إلى بعض ضياعه، في لمة من شيعته وأتباعه. فاضطرمت الصدور، وبطل ذلك التدبير، ثم وافى البلد ليلةً وقد استوحش من أنسه، وأوجس خيفةً في نفسه، وأصبح في المدينة خائفاً يترقب، ونادماً يتتبع ويتعقب، يعض يديه