وأدار سياستها على رجلين، فجعل تدبير الأجناد، والنظر في طبقات القواد، إلى سائر الشؤون السلطانية، والأعمال الديوانية إلى ابن الفرج، وبقية الإصدار والإيراد، والنظر لجماهير الناس وكواف البلاد، والرأي والمشورة، والصغيرة والكبيرة، إلى الفقيه أبي بكر بن الحديدي، رجل كان له قدم وإقدام، وعنده نقض وإبرام، وكان قد عهد لحفيده هذا المرشح لأمره متى ورث سلطانه، وتبوأ مكانه، أن يشد على ابن الحديدي كلتا يديه، ولا يفتات بأمر من الأمور عليه. وأخذ الموثق الغليظ على ابن الحديدي ليبلغن كل مبلغ في شد أزره، وتثبيت أمره علماً باستقلاله، واستنامة إلى يمن مناقبه وخلاله، وحفظاً لما كان عنده من يده في إقامة أوده، وممالأته على أهل بلده. وقد كان أكثرهم فيما سلف نفروا عنه، وهموا بالاستبدال منه. فنكث أبو بكر هذا قوى مكرهم، وخاطب المأمون يومئذ إلى بلنسية بجلية أمرهم، خوفاً من الفتنة، وتفادياً من المحنة. فانكدر المأمون من حينه إلى طليطلة وقد ضاق ذراعاً، وكادت نفسه تذهب شعاعاً. وأدار الحيلة على مشيخة طليطلة في خبر طويل حتى سجن عامتهم بمطبق حصن [وبذة] ، أخرى قلاعة المنيعة، ولم يزالوا بها حتى شاب الشباب، وبليت الأحقاب، وتلك اليد كان المأمون يراعي لابن الحديدي، فوضع في حياته زمامه بيده، واستخلفه بعد وفاته على بلده وولده.