بشمول البلاء. فأخبرت عن وزيره أبي المطرف بن مثنى أنه كان يومئذ بمنزلة بين الوجوم والإطراق، وعلى نهاية الحذر والإشفاق، إذ وردت رسل المأمون عنه تترى، وهجمت عليه زمرةً بهد أخرى، فدخل عليه فوجده قد استشاط حنقاً، حتى كاد يتميز شققاً. فظن أن ذلك الضجر، لما كان ورد به الخبر من ضرب الخيل على بلد المظفر، وإخفار الذمم، وزلة القدم، وانهتاك الحرم. فطفق ابن مثنى يبسطه ويقبضه، تارةً يسليه وتارةً يحرضه، وطوراً يقول له: فيك الخلف مما فات، ومرة يقول: قد آن لك أن تنكر على الطاغية هذا الافتيات. فلما فهم منحى ابن مثنى منه، أعرض عنه، وقال له: ألا ترى هذا الضالع الفاعلي الصانع - يعني عريف بنيانه - صبرت له وأغضيت، وفعلت به كيت وكيت، فما زاد إلا تنغيصاً للذتي، واستخفافاً بإمرتي، وتصغيراً لشاني، واجتراء على سلطاني. وهبت ريحه العقيم، تقعد في غير شيء وتقيم، فسقط في يد ابن مثنى وانكسر إنكسارة تبينها ابن ذي النون فيه. ولم يجد بداً من أن قال له: هون عليك، والكل طوع يديك، وناهيك، وأنا أكفيك؛ وخرج ومثل بين يدي ذلك الصانع يعده ويمنيه، ويداوره ويداريه، والصانع مقبل على شأنه، ما أمره بالجلوس، ولا زاده على التجهم والعبوس، فبعد لأي ما ضرب له مثل العامة وهو قولهم: ما أفرس الجالس. ثم قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015