حشا بها كتابه إليّ، من صنعة صديقه عبد الله بن خليفة المصري. تعاور المغنون في تلك الليلة الغناء بها، وجميعها عندي في نهاية من الضعف [67] والتخلف والتبرؤ من صنعة الشعر، يبغي بها توشيح هذا المشهد الجليل الذي قيلت فيه، ينظمها في عقده، فلم أسعده على ذلك ترفيعاً به عن هجنتها، وتبرئةً لنقدي على استجادة سبكها، ومذمة لزمن غفل أقحم قائلها في زمرة الشعراء، وجسره على إنشاد جلة الأمراء، وطالما عناني هذا الرجل بذكر ابن خليفة هذا وإنمائه إلى النسبة المصرية، وعزوه له إلى المعارف الحكمية، وأنا أحسبه مصري التربة، متطارح الغربة، مستطيراً على بعد النجعة، مرهف الحد، محتنك التجربة، أرتاح لذكره وأود لقياه والأخذ عنه. فأبرزه الفحص لي قطربي التربة، محالي الحومة، سوقي الحرفة؛ ابن جار لي من تجار الخفافين يسمى هليفة، عجمي نبز الأب ب - " المورته " مفجوء الميتة منذ سنوات قليلة. لم أعهد ابنه هذا يرتسم بأدب، ولا يسعى لطلب، إلى أن رمت به النوى قريباً إلى بلاد العدوة لابتغاء المعيشة، فأطال بها الثواء، ولقي الفهماء، وتقيل الجسراء، فكسر إلينا على زعمه مصرياً صليبة، وأديباً باقرة، وشاعراً باقعةً، وحكيماً نطيساً، وظريفاً ممتعاً. كل ذلك من غير طول رياضة، ولا تقدمة معرفة. وما إن يستنكر لقاسم الفضائل بين خلقه أن يجمع منها لواحد ما فرق في جماعة، له القدرة البالغة والحكمة القاهرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015