أياماً متوالية، حتى استدعي له من بقايا أصناف الناس وأدونهم حتى الجفلى، وأزعجوا إلى النعيم الذي لا عهد لهم به، دخلوا على التطليق، وحفظوا من ضنك المضيق، وأوسعت مآكلهم من غليظ ورقيق، فالتهموا وازدرموا، ونهلوا وعلوا، ووضئوا وطيبوا.
مجلس الأنس
قال ابن حيان: وذهب المأمون إلى تتميم تكريم زواره من رجال الأمراء الذين استحضرهم يومئذ لشهود فرحته، بمشاهدة مجلس خلوته، وتنعيم أسماعهم بلذات أغانيه، وقد علم أن فيهم من يرخص في النبيذ ولا يسوغ له نعيم دونه، فاحتمل حرج ذلك مبالغة في تأنيسهم، فاحتفل لهم في مجلس قد نضد، وأحضر فيه جميع آلات الأنس. فلما استوى بالقوم مجلسهم، واشرأبوا إلى الأخذ في شأنهم، قرب إليهم أطعمة طيورية جوامد وباردة، وصنوفاً من المصوص والأشربة والطباهج، موائد مترعة اتخذوها بسطاً لنبيذهم. ثم انثنوا إلى الشراب ونفوسهم به صبة، وقد مدت ستارة الغناء لأهل الحجاب، ونظمت نوبة المغنين زمراً، فهاجوا الأطراب، واستخفوا الألباب، ونقلوا الطباع فجاءوا بأمر عجاب، بذهم فيه سابق حلبتهم، المحسد من