ثيابهم بشآبيب ماء الورد الجوري، يصب فوق رؤوسهم من أواني الزجاج المجدود، وفياشات البلور المحفور، ثم أدني إليهم قوارير المها المحكمة الصنعة، الرائقة الهيئة، قد أترعت بالغوالي الذكية، النامة بسرها قبل الخبرة، المتخذة من خالص المسك التبني، ومحض العنبر المغربي، لاءم بينها رشح البان البرمكي، فتناولوا من ذلك حتى لأقطرت سبالهم ذوباناً، وأعادت شيبهم شبانا، فلما استتم هؤلاء الخلة نعيم يومهم، من طعمهم وطيبهم، أقيموا للدخول على المأمون، فسلموا عليه، ودعوا له. فأقبل عليهم أحسن قبول، ورد أجمل رد، وأمر بإدخالهم إلى سيد مجالسه المسمى المكرم، نتيج همته، وبديع حكمته، السائر خبره، الطائر ذكره، المعدوم نظره، ليمتعوا أبصارهم بالنزهة، ولم يكن أكثرهم رآه إلى يومهم ذلك مع علوق وصفه بخواطرهم، فلما رأوه صغر عندهم ما كانوا يستكبرونه من وصفه، ورجعوا أبصارهم فيه، ونبه بعضهم بعضاً على دقائق معانيه.
قال ابن حيان، قال ابن جابر: وكنت ممن أذهلته فتنة ذلك