ووصفاء الموائد الحافون من حولهم يطردون الأذية عن مجلسهم بطوال المذاب البديعة الصنعة، المقمعة الأطراف بفاخر الحلية. ولما مضى لهم صدر من أكلهم، نجم لهم الأمير المأمون قائماً فوق رؤوسهم، متهمماً بشأنهم، مبالغاً في تكريمهم، قد حف به أذواء الوزارة وأهل الخدمة وأكابر الفتيان وأعاظم القواد قائمين بقيامه، ولما قضى وطراً من القيام بمكارمتهم صدر راجعاً إلى مرتبته.
ولما فرغت تلك الطائفة جيء بهم إلى المجلس المرسوم لوضوئهم، وقد فرش أيضاً بوطاء الوشي المرقوم بالذهب، وعلقت فيه ستور مثقلة مماثلة، فأخذوا مجالسهم منه، وناولهم الوصفاء الطائفون بهم رفيع النقاويات والذرائر المطيبات في الأقداح والأشناندانات الفضيات المحكمة الصناعات، كادت تغنيهم بطيبها عن الغسل. ثم أدني إليهم إثر ذلك الوضوء في أباريق الفضة المحكمة الصنعة، يصبون على أيديهم في طسوس الفضة المماثلة لأباريقها في الحسن والجلالة، فاستوعبوا الوضوء وأدنيت من أيديهم مناديل يتضاءل لها ما عليهم من سني الكسوة. قم نقلوا إلى مجلس التطييب أفخم تلك المجالس، وهو المجلس المطل على النهر العالي البناء، السامي السناء، فشرع في تطييبهم في مجامر الفضة البديعة بفلق العود الهندي، المشوبة بقطع العنبر الفستقي، بعد أن نديت أعراض