والفقهاء والعدول ومن يليهم من كبار الناس، دعاهم لذلك ذو الوزارتين أبو [عامر بن] الفرج، فقاموا والسكينة عليهم، يقدمهم قاضي القضاة أبو زيد بن عيسى القرطبي، فأدخلوا بتكريم على تؤدةٍ ورفق، وجيء بهم إلى الدار الكبرى الثانية ذات الساحة الواسعة الزاهرة، ثم وصلوا إلى مجلس قد فرش بالديباج التستري المرقوم بالذهب، وسدلت فوق حناياه ستور من جنسه تكاد تلتمع الأبصار بنصاعة ألوانها وإشراق عقيانها. وقد جلس لهم الأمير المأمون في جانب منه، وحفيده في جانب آخر، فأكب الناس عليه يهنئونه. ويلثمون أطرافه، ويتناغون فيما قد رووا وابتدهوا، وهو يشملهم بإقبال طرفه، ويعمهم بإجمال رده، فيثنون منه إلى حفيده [65] يدعون له، ثم عدل بهم إلى مكان الأطعمة في المجلس الأول - على ذات اليسار من تلك الدار - الواسع القطر الرحب الأبواب، وقد فرش بالوطاء التستري، وعلقت على أبوابه وحناياه ستور الطميم المثقلة ذات الصور المقيدة للألحاظ، وقد مدت فيه صنوف الطعام. فأمعنت هذه الطائفة في الأكل ازدقاماً وسرطاً، واختصاماً وقضماً، وانتهالاً وعلاً.