قال ابن حيان: كتب إليّ الأديب ابن جابر، قال: احتفل المأمون ابن ذي النون في مدعاة إعذار حفيده يحيى فحشد أمراء البلاد، وجملة الوزراء والقواد، فأقبلوا إليها كالقطا القارب أرسالا، وقد رسم لخدمته في توسيع مشارب هذا الإعذار، وإرغاد موائده، وتكميل وظائفه، وإذكاء مطابخه، رسوماً انتهوا فيها إلى حده، وشقق عليها جيوب أكياسه، وأمر بالاستكثار من الطهاة والإتآق للقدور، والإتراع للجفان، والصلة لأيام الطعام، والمشاكلة بين مقادير الأخباز والآدام، والإغراب في صنعة ألوانها مع شياب أباريقها بالطيوب الزكية، والقران فيها بين الأضداد المخالفة ما بين حار وبارد، وحلو وحامض؛ والمماثلة بين رائق أشخاصها وبين ما تودع فيه من نفائس صحافها، والاستكثار لها من أنواع الحلوة المجيرة للمعد من داء الإتخام، وتجاوز عليها إلى السكر. فجاءوا في ذلك كله بأمر كبار أبيدت لمطابخه أمم من الأنعام، جمع فيه بين المشاء والطيار والعوام. وانتسفت لمخابزه أهراء من الطعام، وأنفقت على مجامره ومعاطره جمل من الأموال الجسام، فاغتدى جماعاً لمداعي أهل الإسلام العظام.
وشرف المأمون بالاشتراك مع تطهير حفيده يحيى صبياناً من بني أصحابه، وبدأ بحفيد قبلهم، فكان أسكن من حنف معه جأشاً، وأقلهم