وعاد قافلاً سالماً غانماً. فهابته الإفرنجة وأذعنت إلى السلكن وجاء رسولها إلى قرطبة، وقد أعد عبد الملك لوروده أكمل العدة من ترتيب الجنود، فكان يوم دخل ذلك الرسول بقرطبة آخر أيام الزينة، إذ انتقض الملك على أثره سريعاً ووقعت الفتنة.
قال ابن حيان: سمعت بعض المشايخ يومئذ يقول: إنه ما كان بالأندلس مثل ذلك في أمد الدولة، بما اجتمع له من كثرة الجمع والزينة والعزة السلطانية. وأما التجار الغرباء فدخلوا يومئذ إلى موضع هيئة التجافيف والأعلام المصورة وسائر القطع العجمية والقنا الهندية، وموقف خيل الركاب بالسروج الثقال، والتراس المذهبة والمفضضة، معها بغال الركاب الرائقة في زيها المشهور، وما اتصل بذلك من عدة غريبة. وتوصل أولئك التجار إلى ذلك المكان قبل إباحته للنظارة بإذن التمسوه من عبد الملك، فلم يختلفوا في استيساع ما عاينوه، واتفقوا - وكانوا جملة عراقيين ومصريين وغيرهم - على أنه ما شاهدوا لأحد من ملوكهم مثله.
ولما أحكم عبد الملك الشد الفتن الفرنجة دبر قصد شانجه، فخرج نحوه صائفة سنة أربع وتسعين، وأوغل في أرضه وخام عنه شانجه ولم يظهر له، وقفل عبد الملك إلى قرطبة. فاضطر شانجه إلى السلم ووفد بنفسه إلى قرطبة، فأعظم عبد الملك مورده، وضمن أن يغزو معه قومه. فخرج مع عبد الملك سنة خمس وتسعين، فاقتحم جليقية وغادر أعمال بني غومس مصطلمة، وهدى المسلمين شانجه إلى عورات قومه، وانتهى بهم إلى مدينة ليونه وهي من أمنع المعاقل، ولم يكن المنصور بلغها لصعوبتها