الحال، في كنف ملك مقتبل السعد، ميمون الطائر، غافل عن الأيام، مسرور بما تنافس فيه رعيته من زخرف دنياها، فاجتمع الناس على حبه، ونجا من الفتن. وأخباره في ذلك مأثورة. وكان على أهل الأندلس أسعد مولود ولد. بلغني عن أحمد بن فارس البصري المنجم زعيم الصناعة بها على عهد الحكم أنه نظر في مولد عبد الملك هذا وهو طفل فأشار من بعد سعادته إلى أمر كبير لم يدرك هو آخره، فعجب من شاهده من جودة إصابته، وذلك أنه قال: لم يولد قط بالأندلس مولود أسعد منه على أبيه وعلى نفسه وحاشيته، نعم، وعلى أهل الأندلس طراً، وعلى أرضها فضلاً عن ناسها، وأنها لا تزال بخير حياته، وإذا هلك ما أراها إلا بالضد. قال ابن حيان: سمعت هذا الحديث عن ابن فارس من غير ما طريق، فكان كما قال، لقد حدث بالأندلس إثر مهلكه ما هو مشهور.
وكان عبد الملك من أحيا الناس، فإذا كانت الحرب عوين منه الأسد المحرب في براثنه حطماً وشدة. من رجل عديم الفهم والمعرفة جملة، صفر من الأدب والتعاليم، حتى ما كان يسايره وينادمه إلا العجم من الجلالقة والبرابرة ممن لا يهش لسماع، ولا يطرب لإيقاع. فارتفعت بذلك عن مجالس لهوه طبقة المعرفة، وقوض عنها كل فاضل وعالم، واعتاض منهم بجفاة البرابر والأعاجم. إلا أنه مع زهده في الأدب تمسك بمن كان استخلصه أبوه من طبقات أهل المعرفة من خطيب وشاعر، ونديم وشطرنجي، ومعدل وتاريخي وغيرهم