بعدي أشفق عليكم من ولدي. وملاك أمركم [51] أن تنسوا الأحقاد وأن تكون جماعتكم كرجل واحد. فإنه لا يفل فيكم. وما زال يكرر هذا وشبهه لطائفة بعد أخرى حتى ضعف وشغل بنفسه.

قيام عبد الملك ابنه بالدولة

ولما ورد النبأ بموته ركب عبد الملك إلى هشام ونعى إليه المنصور أباه. فأظهره الإشفاق، وعرفه بما اضطرب من أمر الفتيان وعصايانهم؛ فخرج هشام وأمره بتدبير أمرهم بحسب ما يستقيم به أمر الدولة، وحذره مواقعة الدماء وتلقيح الفتنة، وخلع عليه، وأخرج معه كتابه بولاية الحجابة مكان أبيه، وقرئ على الكافة، وأنشئ به الكتب إلى الأقطار. وعاقب بعض الفتيان العاصين، وأخرج بعضهم إلى سبتة، فما قفلوا عنها إلا عند العسكر الكبير مع أخيه عبد الرحمن، واجتمع الشمل، وتمكنت الطاعة، وأيس الأعداء من دولة بني عامر، وعلموا أنها وراثة.

وأسقط عبد الملك سدس الجباية لأول ولايته في جميع أقطار الأندلس عن الرعية، فراقت أيامه، وأحبه الناس سراً وعلانية، وأنصب الإقبال والتأييد عليه انصباباً لم يسمع بمثله، وسكن الناس منه إلى عفاف ونزاهة نفس، فباحوا بالنعمة، وأخذوا في المكاسب والزينة من المراكب والملابس والقيان، حتى سمعت أثمان هذه الأشياء في مدته. وبلغت الأندلس في أيامه إلى نهاية الجمال والكمال وسعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015