وحركه خدمه، وقيانه قد ألبست المسوح والكسية بعد الوشي والحبر، ما لا شيء فوقه.
أخبرني أبي قال: سمعت محمد بن أبي عامر يوصي ابنه عبد الملك في مرضته تلك ويقول في جملة كلامه: يا بني، لست تجد أنصح لك مني فلا تعدين مشورتي: قد جردت لك رأيي ورويتي على حين اجتماع من ذهني، فاجعلها مثالاً بين يديك. قد وطأت لك مهاد الدولة، وعدلت لك طبقات أوليائها، وغايرت لك بين دخل المملكة وخرجها، واستكثرت لك من أطعمتها وعددها، وخلفت جباية تزيد على ما ينويك لجيشك ونفقتك؛ فلا تطلق يدك في الإنفاق، ولا تقبض لظلمة العمال، فيختل أمرك سريعاً، فكل سرف راجع إلى اختلال لا محالة. فاقصد في أمرك جهدك، واستثبت فيما يرفع أهل السعاية إليك. والرعية قد استقصيت لك تقويمها، وأعظم مناها أن تأمن البادرة وتسكن إلى لين الجنبة. وصاحب القصر قد علمت مذهبه، وأنه لا يأتيك من قبله شيء تكرهه، والآفة ممن يتولاه ويلتمس الوثوب باسمه، فلا تنم عن هذه الطائفة جملة. ولا ترع عنها سوء ظن وتهمة، وعاجل بها من فته على أقل بادرة، مع قيامك بأسباب صاحب القصر على أتم وجه؛ فليس لك ولا لأصحابك شيء يقيكم الحنث في يمين البيعة إلا ما تقيمه لوليها من هذه النفقة. فأما الانفراد بالتدبير دونه مع ما بلوته من جهله وعجزه عنه، فإني أرجو أني وإياك منه في سعة ما تمسكنا بالكتاب والسنة. والمال المخزون عند والدتك هو ذخيرة مملكتك، وعدة لحاجة تنزل بك، فأقمه مقام الجارحة من جوارحك التي لا تبذلها إلا عند الشدة تخاف منها على سائر جسدك. ومادة الخراج غير منقطعة