ولما اتفقت على جعفر هذه الأسباب، جد المقدار به وسخط السلطان عليه وعلى ولده وأنسابه وعلى أخيه هشام وسائر طبقته، وطولبوا بالأموال وأخذوا برفع حساب تصرفوا فيه لأول الزمان. وأخذهم ابن أبي عامر بالخروج عنها، وتوصل بذلك إلى استئصال أموالهم وانتهاك حرمتهم وأبشارهم، واجتثاث أصولهم. وكان هشام ابن أخي جعفر قد بلغ من حسادته لابن أبي عامر أن سرق له في غزاته الثالثة في طريقه رؤوساً للنصارى كانت تساق للحضرة، فنفسه فيها وأمر غلمانه فصبوها في النهر، فقامت قيامة ابن أبي عامر لذلك، وكاشف آل عثمان من ذلك اليوم؛ وتجرد لإبادتهم فاستبلغ في مكروه هشام عاجله بالقتل في المطبق قبل عمه جعفر، فلما [قتل] استقصى ابن عامر مال جعفر حتى باع داره بالرصافة، وكانت من أعظم قصور قرطبة. واستمرت النكبة عليه سنين، مرة يحبس ومرة يخلى ويقر بالحضرة وتارة يسير عنها، ولا يراح في الحالتين من المطالبة والأذى. إذا سئم ابن أبي عامر إعناته وكله إلى غالب صهره فيتولى كبره، ويضعف عذابه. والأخبار عنهما في ذلك كثيرة. فلما بان عجز جعفر وضعفه أقر في المطبق بالزهراء إلى أن وافاه هنالك حمامه وأسلم ميتاً إلى أهله؛ وما ترك الناس بعد أن عدوه في قتلى ابن أبي عامر، وزعموا أنه دس له شربة سم قضت عليه. والله أعلم.
أخبرني محمد بن إسماعيل كاتب ابن أبي عامر قال: سرت مع محمد ابن مسلمة ثقة ابن أبي عامر إلى الزهراء لنسلم جسد جعفر بن عثمان