شيخ الموالي وفارس الأندلس غير مدافع أشد ما كان بين اثنين من العداوة والتقاطع. فأهم المصحفي شأنه، وناظر الوزراء في ما بدا من تثاقله في الذب عن الثغر، فأشاروا باستصلاحه، وبادر بذلك ابن أبي عامر لما أراده من مظاهرته، فلم يزل يقوم بشأنه ويخدمه داخل الدار من قبل الحرم كعادته حتى تم على إرادته، وخرج الإذن أن ينهض غالب إلى ثنى الوزارة ويدبر جيش الثغر. وابن أبي عامر جيش الحضرة. ثم خرج ابن أبي عامر إلى غزاته الثانية، واجتمع به وتعاقدا على الإيقاع بجعفر. وقفل ابن أبي عامر غانماً، وبعد صيته، فخرج أمر الخليفة هشام بصرف المصحفي عن المدينة، وكانت في يده يومئذ، فخلف عليها ابنه. فخرج ابن أبي عامر نحو كرسيها في ذلك اليوم والخلع عليه، ولا خبر عند جعفر، وإن ابنه لجالس مجلسها في أبهته، حتى صعد ابن أبي عامر نحوه، فولى ولد المصحفي الدبر ناكصاً على عقبه، وأتبع بدابته، وعاد إلى داره. وملك محمد بن أبي عامر الباب بولايته الشرطة، وأخذ على جعفر وجوه الحيلة، وخلاه وليس بيده من الأمر إلا أقله. وكان ذلك - زعموا - بتدبير غالب معه عند اجتماعهما بالثغر، وقال له: سيطير لك ذكر بهذا الفتح ويشغل السرور أهله عن الخوض فيما تحدثه من قصة، فإياك أن تخرج عن الدار حتى يعزل جعفر عن المدينة وتتقلدها، ويزول أمره على الباب والدار ويتم عليه التدبير حتى يزال عن الحجابة. ففعل ذلك وضبط المدينة ضبطاً أنسى به أهل الحضرة من سلف قبل من الكفاة أولي السياسة.