توثق لنفسه وحصن ماله، ورمى إلى الغرض الأقصى من ض بط الملك والحجر عليه والاستبداد دونه. وامتثل رسم المستغلين على سلطان ولد العباسي بالمشرق من أمراء الديلم في عصره، فنال بغيته، وتهنأ ميشته، وأورثه عقبه بعده، من غير اقتدار عليه بجندٍ خاص ولا صيال بعشيرة، ولا مكاثرةٍ بمال ولا عدة، بل رمى الدولة من كنانتها، وعدا عليها بأعضادها، وانتضلها بمشاقصها، وأنفق على ضبطها أموالها وعددها، حتى حولها إليه، وسبكها في قالبه، وسلخ رجالها برجاله، وعفى رسومها بما أوضح من رسومه، وأسقط رجال الحكم من سائر الطبقات: الكتاب والعمال والقضاة والحكام وأصحاب السيوف والأقلام، ومزقهم، وأقام بإزائهم من تخرجه واصطناعه رجالاً سدوا مكانهم، ومحوا ذكرهم، أعانوه على أمره.

وأول عروة فض ابن أبي عامرٍ من عرى الملك جماعة الصقلب، استخرج منهم بأسباب المصادرة أموالاً جمةً استأثر بأكثرها، وتتبع لذلك كتابهم وأسبابهم وقتاً بعد آخر، وتقسمتهم أيدي القدر نفياً وقتلاً، صبراً وغلبة، سراً وعلانية، حتى هلكوا عن آخرهم في أسرع مدة. واختلفت مقاتلهم بحسب استيفائهم مدد أعمارهم، فلم يصح لي تاريخ ذلك على حقيقته. فكانت تلك الطائفة أول من ظهر انتقام الله تعالى بابن أبي عامر منها؛ فكانوا جبارين قاسطين في بلاده، متمردين على عباده. فأرسله بقدرته على هذا النمط من خلقه فأبادهم، ونجا أهل السلامة من سورته، وتلك عادته تعالى في من نكب عن سبيله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015