في التدبير والمشورة له في الأمور، والاختصاص به على الجمهور. وكان جعفر لمحمدٍ على بعض ما أريد منه ثقةً به وسكوناً إلى جهته، فامتثل ما أمر به في ابن أبي عامر لغفلته، وتزيد في بره، وأشركه في سره وجهره. وانهمك [45] ابن أبي عامر في مغالطة جعفر، وأراه أنه صاحبه الحائط لخاله؛ وعول جعفر على رأي محمد، ووصل يده بيده، واستراح إلى كفايته، وابن أبي عامر يمكر به ويضرب بين حسدته، ويناقضه في أكثر ما يعامل به الناس، ويجعل إليهم بالبذل وقضاء الحوائج، ويتقدم من المعالي إلى ما يحجم جعفر عنه؛ يستضم الرجال وجعفر يدفعهم، ويزيدهم وجعفر ينقضهم، يظن أنه كل يحمله عنه، فيا لك من جامع لمحمدٍ ومفرقٍ عن جعفر! إلى أن هوى نجمه وزال أمره.

وكان أول اتصال ابن أبي عامر بالحكم أنه وصف له فاستخلف على قضاء كورة ريه، ثم تصرف في وكالة صبحٍ أم هشام، فاضطلع بكل ما قلد، استهوى هذه المرأة بحسن الخدمة - وهي الغالية على الحكم - فأزلفته، وولي الشرطة والسكة والمواريث؛ والسكة يومئذٍ أعلى الخطط في الإفادة. وقرن له بهذا كله القضاء بإشبيلية، فعلت حاله وعرض جاهه، وعمر بابه في حياة الحكم، وهمته ترتمي به وراء ما يناله من الدنيا أبعد مرمىً، وهو كل ذلك يغدو إلى باب جعفر ويروح، ويختص به ويتحقق نصيحته، إلى أن أحظاه الجد وساعده القضاء، فأسقط جعفراً. فلما انفرد بشأنه وتمكن من سلطانه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015