الأحد الثالثة من صفر سنة ست وستين، بادر بالمغيرة على الصفة المذكورة.

وافتتح المصحفي أمره بعد بإيثار النصفة، وإطراح الكبر. وكان أول ما أتاه من ذلك صدر تقلده حجابة هشام - وقد رفع فراشه فوق الوزراء أصحابه، وأبدل بالكتان الديباج على سالف العادة - أن قال: إني أستحيي من أصحابي أن أتمهد أفضل من فرشهم. مع عجزي عن درك شأوهم، غير أنا نسلم لأمير المؤمنين اختياره، فإما يساوي بيننا في فرش كرامته، وإما أقرنا على الأمر الأول ولا كفران لنعمته، فأفرش للجميع، مذ زال فرش الديباج، فرش الكتان، فجرى عليهم الرسم إلى آخر الزمان. واستحسن فعل جعفر يومئذ وعد من [بعد] غوره. وعول جعفر في سائر أوقات دولته على هذا النوع من السياسة، فلزم التواضع للناس، وأطلق لهم البشر وألان كنفه ووطأ خلقه. ورأى أنهم بذلك يصلحون له، دون البذل لذات اليد والمواساة في النعمة؛ فاستأثر بالأعمال، واحتجن الأموال ولم ينلهم، وبنى المنازل وهدمهم، وشح بالنشب وسخا بهم. وعارضه من محمد بن أبي عامرٍ فتىً ماجد أخذ معه بطرفي نقيض: بالبخل جوداً، وبالاستبداد أثرة، [و] باقتناء الضياع واصطناع الرجال، حتى غلبه عما قليل. وتحركت حال ابن أبي عامر لأول الدولة، وشارك في التدبير بحق الوزارة، وتقوى على أمره بنظره في الوكالة وخدمته للسيدة صبح أم هشام. وكانت حاله عند جميع الحرم أرفع الأحوال، بقديم الاتصال، وحسن الخدمة، والتصدي لمواقع الإرادة، وطلاقة اليد في باب الإلطاف والهدية فأخرجن له أمر الخليفة هشامٍ إلى حاجبه جعفر في الاستعانة به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015