فصول من نثره في أوصاف شتى
اتصل أول دخوله الأندلس بالوزير عبد الله بن مسلمة. فلما نكب استعطف له الوزير أبا جعفر بن الدب ليشفع له عند الخليفة سليمان وخاطبه في ذلك بعدة رسائل. فكانت رقى لم تنفع، ووسائل لم تنجح [31] .
منها فصل يقول فيه: لما جمع الله طوائف الفضل عليك. وأذلق بك الألسن، وأرهف فيك الخواطر، ورفرف عليك طير الآمال، ونفضت إليك علائق الرحال، لم أجد لأبن مسلمة حين عضة الثقاف، وضاق به الحناق، وانقطع به الجاء، وكبا به الدهر. ملجأ غيرك. فعطفك على واله نبه النحس من سنة السعد، وأيقظته الآفات من رقدة الغفلة، ورشقته سهام الزمان بصنوف الامتهان، حتى لقب المنية أمنية، وسمى الموت فوتا. ومن لم يكتب له الدهر سجلا. ولا عقد له آمنا، ولا أشهد على نفسه ثقة، فليكن منه على حذر، ومن نبوته على يقين الخبر، وليعلم أن اصطناع المعروف يكافئ المرء في سمعه وبصره. ويلقاه في طريقه، ويحول بينه وبين محاربه، ويجازيه في أهله وولده. ويصحبه في اغترابه عن بلده.
وفي فصل منها: فحنانك عليه وعلي فيه، وأذكر تعلق الآمال به وتعلق أمله بك، وحاجة الرؤساء إليه وحاجته إليك، وحشدت لك القول، والله تعالى خلق الدنيا بحرفين، وأن الكلمة لترقأ الدم، والرقية لتخرج الحية من مكمنها، فإن خبت من طلابك نثرا قلت نظاما: