الهواء، قليلة الأدواء، خضلة العشب، قد أحاط بها نهرها كما تحيط بالمعاصم الأساور، والتوى عليها كالأرقم المساور، والأيك قد نشرت ذوائبها على صفحه، والروض قد عطر جوانبه بنفحه، وأبو اسحاق بن خفاجة منزع نفسه، ومضرع أنسه، وبه نفح له بالمنى عبق وشذا، وضرح عن عيون مسراته القذى، وغدا على ما أحب وراح، وجرى متهافتا في ميدان ذلك المراح، وسنه قريب عهد بالفطام، ودهره ينقاد للإسعاد في خطام، فلما اشتعل رأسه شيبا، وزرت عليه الكهولة جيبا، أقصر عن تلك الهنات، واستيقظ من تلك السنات، وشب عن ذلك الطوق، وأقصر عن الحنين والشوق، وقنع باهداء تحية، وما يستشعره في وصف تلك المعاهد من أريحية، فقال [244أ] :
ألا خلياني والأسى والقوافيا أرددها شجوا فأجهش باكيا
أؤبن شخصا للمسرة بائنا وأندب رسما للشبيبة باليا
تولى الصبا إلا توالي فكرة قدحت بها زندا من الوجد واريا
وقد بان حلو العيش إلا تعلة تحدثني عنها الأماني خاليا
ويا برد ذاك الماء هل منك قطرة فها أنا أستسقي لمائك صاديا
وهيهات حالت دون حزوى وعهدها ليال وأيام تخال لياليا
فقل في كبير عاده عائد الصبا فأصبح مهتاجا وقد كان ساليا
فيا راكبا يستعمل الخطو قاصدا ألا عذ بشقر رائحا أو مغاديا
وقف حيث سال النهر ينساب أرقما وهب نسيم الأيك ينفث راقيا
وقل لأثيلات هناك وأجرع سقيت أثيلات وحييت واديا
وليس ببدع ان تعديت في الهوى فحييت من أجل الحبيب المغانيا
فصل في ذكر الشيخ الماهر أبي محمد بن السيد البطليوسي: إمام