تصورت ما أتاه الدهر من اجترامه في اخترامه، وأذهبه باعتباطه من اغتباطه، وتأملت كيف التقمه الحمام، واختطفته الأيام، وصار مفقودا، كأن لم يكن مشهودا، ومنشودا كأن لم يكن موجودا، وجدت لذلك وجدا لا يسعه الصدار، ولا يقاومه الصبر، وأوارا لا تطويه أحتاء الضلوع، ولا تطفيه أحساء الدموع. فكأنا وقد صار حبل حياته إلى بتات، وسلك مؤاخاته إلى شتات [لم نستبق يوما في ميدتن الصبا، ولم تهب بنا جنوب وصبا، وكأن كل ذلك لما انقضى فمضى، خيال ألم ثم تولى، وغمام أظل ثم تجلى] .
25 - وفي فصل من فصل من أخرى:
محار الفتى شيخوخة او منية ومرجوع وهاج المصابيح رمدد ألا إنما الدنيا دار كون وفساد، وسوق نفاق وكساد، والعمر بالإنسان مضطرب، والمرء موج مع الأيام منقلب، وإن للشبيبة صبوة، وللحداثة هفوة، وقصارى الطيش ركانة ووقار، وأول قرح الخيل المعار، ولم أر [146ب] كالشباب مطية للجهل، ولا كالمشيب فطنة للعقل:
وان نهار المرء أهدى لرشده ... ولكن ظل الليل أندى وأبرد فإذا يكن الصبا حلية تروع، فإن الكبرة عطلة أو إمرة تروق:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد