وأخذت في الرسالة، فلما سامح الأدب، وساعد المذهب، قلت: أيدك الله، إن من أرسل رسولا في مهم تطلع، ومن رجا صديقا لدفع ملم توقع، لا سيما إن رجاه شفاء من الخطب، واستهداء هناء لموضع النقب، فقد تعلم كيف نظر السقيم إلى العائد، وناهيك إن كان طبيبا، والتفات المقيم إلى الوارد، ويكفيك إن أورد محبوبا، وإن رئيسي - معظمك - أرسلني إليك وانتظر، وأوفدني عليك ثم استمطر، وقد رأى أن إسعادك مراده، وإنجادك مراده، فلوى عنك ما بطأ السباق، وعاق دونك ما أخر اللحاق، حتى تطاول الزمان، وحالت الأحيان، وفي ذلك من تعذيب نفسه، وإرجاء أنسه، ما يدعو إلى إشفاقك من شغل باله، وارتماضك من نكد حاله، إذ لا يلذ بحال يدري ما له عندك، في حلوه ومره، ولا ينعم ببال حتى يجتلي ما تنهيه إليه من جدك، في يسره وعسره، فلك الفضل في إيشاك إيابي، وإراحة مآبي، حتى أسرع بسرائه، وأقطع بما يزيد في مضائه. فخاطبت بما اقتضيته من إيجابي، وألفيته من سريع اطلابي، وكتبت إلى الوزير أبي الوليد بن زيدون برقعة أقول فيها: لم أزل منذ فارقت الشرق، وتخلفت ذلك الأفق، أتقلب بين ثلج يكفن، ووحل يدفن، وريح تبعث من في القبور، ورعد ينفح في صور النشور، وبرق يرمق أصحاب الجحيم، ويريهم صورة العذاب الأليم، إلى أن وصلت محل العليا، ومنتهى سدرة الدنيا، حضرة