أثر دم الشهيد، فجئت [120 أ] من دمعي بأربعة شهود، وقلت: ألا فض فم الحسام كيف قصف لحمة، وأرغم أنف السنان كيف استرعت دمه، وتبا لعبيد الدار كيف أغمدوا شفارهم، وعجبا من بقية الأنصار كيف ضيعوا انتصارهم، و {لا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} (الواقعة: 75) لو شاهدت [يوم] ذلك البرح، لصار القلم في يدي كصدر الرمح، وأضحى المقط في يدي أبيض مثل السيف، ولكانت سكيني هنالك حساما، ويميني عمرا وصمصاما، وقلبي على لينه جمادا، وسعيي على ضعف حويله جهادا، حتى أرمي من رمى في المقتل، وأقتل دونه قتلة المكب المقبل.

ثم خرجنا وقد صدئت نفوسنا، ووجلت قلوبنا، وخلت من الدمع عيوننا، ولم يتسع يوم الإقامة، لأكثر من هذه المقامة. باكرت الرحيل، ويممت في الغد الملك الجليل، الذي ضارع به المشرق المغرب، وسادت لحم سائر العرب. فلما فصلت عنها ورأيت من حسنها وجمالها، واتصال مساكنها وظلالها، ما حبس عليه ناظري، وجذب إليه خاطري، فقلت:

سقى جديدا من الأيام قرطبة ماء الشباب وريق البارد الخصر

وقفا يمد الندى في روضه شرقا من الغمام مع الآصال والبكر

كأنه فيه والإمساء يبسطه رداء إلفين قد صاروا إلى وطر

حتى إذا شيب كافور الصباح به أضحت تصعده نار من الزهر

وبين هذين من لين ومن لطف روح يقيم سجود النجم والشجر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015