الطين، وكانوا يملون حشايا اللين، فقلت: أين من كان هنا من القيول الأبية، والملوك الأموية، ذوي التيجان المنظومة بالمرجان، والملابس المرقومة بالعقيان، والفرش المرفوعة إلى السكاك، والعرش الموضوعة على السماك، وقد نضدت بالنمارق، ومهدت على الأرائك، وحفت بالجنود [119 ب] عند القعود للسلام والأحكام، وأين أسراب تلك الجواري الكنس، في هروط السندس، كأنما ما استعارت من الكثبان أكفالا، ولا من الأغصان اعتدالا، ولا من الروض أردانا، ولا من الظباء أجفانا، ولا رنت إحداهن عن جفن هم بالتهويم، فنبه النديم، ونظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم، والآن: قد كحلت تلك العيون بالتراب، وكان كحلها كحلا، ولصقت تلك الخدود بالكثبان وكان تقبيلها أملا، وانهالت تلك الأدعاص في الصعيد، وكان التفاتها جذلا؛ فوقعت معتبرا، وما أبقيت عبرة إلا أرسلتها، ولا دمعة إلا أسبلتها، بكاء على المآل، لا على الأطلال، وعلى المصار، لا على تلك الديار، وعلى فقد الأحباب، لا على ذلك الخراب.

وفي فصل منها: ثم جئنا إلى المسجد الجامع، ونظرت من تلك المصانع، فرأيت بنيانا بديعا، وإيوانا رفيعا، شاده ذو عزم وتأييد، وبناه أولو قوة وأولو بأس شديد، فكأنما أرسته عاد، أو بنته ملائكة غلاظ شداد. مشينا من رتبة إلى رتبة، ومن قبة إلى قبة، حتى انتهينا إلى المقصورة فألفينا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015