ارتضع إلا ثديها، ولا اكتسب إلا عيها، ولا سكن [112 ب] إلا في حجرها، ولا مرن إلا بتدبيرها، حتى إذا صار في عديد الرجال، وانتهى إلى حدود الكمال، باشر طوائف النصرانية فخاطبهم بألسنتهم، وجد في حفظ لغتهم، وعانى طباقهم، وحابد أخلاقهم، أفليس الذكاء مع هذا أبعد من ذكاء عنه - وأما العامة منا فقد انقطع فيها المقال، وصحت المخيلة والخال، فلما قرعتها هذا التقريع، وروعتها، هذا الترويع، عادت إلى الخمود، بعد الوقود، وآلت إلى الفتور والخمول، وعاذت بالنكوس والنزول، قد انفل حدها، وآل سكونا تحريكها وجدها؛ ثم لم أستبد أن أجري في ميدان الرأي جواد نظري، وأرسل في أرض الاختبار رائد فكري، وأرفع عن النفس غطاء الترك، وأخلص الصواب عن الإبريز من السبك، ورأيت ما في التوقف عن مطالعك، من الإخلال بمكارمتك، فرشح جبيني عرقا، وانزعج قلبي تحرقا، فراجعت مخاطبة النفس، ممسكا من وحشتها بطرف من الأنس: إن أبا الفضل سيدي - دامت حياته -، قد ناداني بلسان وداده، وأومأ إلي ببنان اعتقاده، وأطار نحوي طائر الارتياد، فلم يقع مني إلا على ثمرة الفؤاد، وحن إلي حنين الألوف الأليف، وواصلني مواصلة الحليم الحليف، وأهدى إلي نزاعه، وألقى علي بعاعه