من نضارتها في مرتع خصيب، وترفل من غضارتها في ثوب من الأنس قشيب، فلله هذه المناقب التي جعلت العين حاسدة للأذن، والفضائل التي حاجزت بين القلب والبدن، فكلما ازدادت بالأخبار بضائعها أرباحا، ازدادت النفوس إلى تبضعها طربا وارتياحا، وكلما ركضت دهمها في ميادين الفضائل مراحا، استفادت بالإحماد غرارا وأوضاحا.
ومنها: وكنت مررت ببلاد شموس الفضائل في آفاقها مكسوفة، وعيون العلم والآداب في عرصاتها مطروقة، وستائر الأحرار بين أهلها مهتوكة مكشوفة، وجنباتها بأنواع البلاء محفوفة، وقد نضبت في رباعها مياه الأمانة والأمان، ونبعت بين أهلها عيون الخيانة والبهتان، وضعف حبل الديانة فيهم والإيمان، فجنحوا إلى جحود النعم والكفران، وتوسعوا في مطاوعة الظلم والعدوان، فأبدلهم الله من النور في أحوالهم ظلاما، وبالحلال في مكاسبهم حراما، وخص أسعارهم بالغلاء، وجمعهم بالفناء، ولفيهم بالتشتت والجلاء، وللخراب ما يعمرون، وللقتل ما يلدون، وللنهب ما يجمعون، ولغيرهم ما يكسبون، {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} (الزمر: 48) {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} (هود: 102) .