منتهاها، واستوي في معرفة سرها وخبرها، واستغني باستهارها عن ذكرها؛ وإحاطة علمك بحال الوزير الكاتب أبي فلان من بدئها إلى انتهائها، يغني لك عن ذكرها وإجرائها، ولما دخل إلى بيضته التي منها خرج، ووكنه [83 ب] الذي منه درج، تذكر حال أولاده فجذبته إليه جواذبها، وغلبته على رأيه غوالبها، ولم يتماسك أن حن إلى العودة لمغناه، فحسنت له ما اعتزمه ورآه، ولم أر بأسا في تحوله من ناحيتك إلى ناحيتي، فليس بمفارق حضرتك من ينتقل إلى جهتي، ولا ينفصل من جملتك من يحصل في جملتي، لأنه لا فرق بين الحالتين، ولا تباين بين الجهتين.
وفي فصل من أخرى: لئن كان مولاي أعلى الملوك مكانا، وأعظمهم شانا، وأكثرهم إنعاما وامتناعا، وأعلمهم ببواطن السرائر، وأفطنهم لهواجس الخواطر، وأسبقهم إلى العطاء دون أن يسأل، وأسمعهم بالمأمول قبل أن يؤمل، فإن عادة العبيد من الموالي أن يستزيدوا وإن غمر إحسان، وأن يذكروا وإن لم يكن نسيان، ليقف موقفه المؤمل، ويزداد رغبة في تطوله المتطول؛ فإن كنت قد وصلت من عزته الرفيعة إلى داري؛ وحصلت منها في موضع استقراري، ونلت من تقريبه فوق قدري ومقداري، فأنا الآن بمنزلة ضيف وبودي ألا أكونه، بل كنت أشتهي أن أرى نفسي بمنزلة من ألقى العصا، وأمن روعة النوى، وخيم مستوطنا، واتخذ سكنى وسكنا، وصار من دنياه في أمل، وقلب الطرف بين خيل وخول، ولا والله ما يختلج ببالي غير ذلك كله، ولا