كنت محجوبا عن الناظر، فإنك مصور في الخواطر، أناجيك بلسان الضمير، وأعاطيك سلاف السرور، وأداعبك مداعبة الحضور، وأجاذبك فضول اللعب، وأبلغ معك إلى حد الطرب، حتى أسكن شوقي إليك، وأقضي وطري منك، وأنت في كل حال لا تشعر، وذاهل لا تذكر، ولا تقطع زمانك إلا بحظيرة حولك تصنعها، وخيمة ترفعها، فإذا تم لك هذا اللهو، تداخلك الزهو، وشمخ بأنفك البأو، وخلت أنك متوج على سرير، أو رب خورنق وسدير، فمتى نلتقي على حال، ويتفق مذهبنا في وصال -! هذا لعمري بعيد، اللهم ان كان من الدهر حلم، واكتهال السن نوم، ونجوم الشيب قد طلعت من الغدائر، وعمايات الصبا قد انجلت عن البصائر، فتذكر من الود ما أذكر، وتفكر في النأي كما أفكر، وتحن إلى تلاق، وتبرد غليل اشتياق.
وله فصول من رسائل، في العنايات والوسائل
فصل من رقعة: معرفتك بتقلب الأيام بذوي الفضل، وحكمها [فيهم] بغير السوية والعدل، تغني عن عرض ذلك عليك، وتقريره لديك. وفلان ممن عرفت حاله في الثروة والمنعة، ورتبته في الجاه والرفعة، لكن أساءت إليه بعد الإحسان، وامتحنته [82 ب] بأنواع من الامتحان، حتى ذهبت بجميع وفره، واضطرته إلى بني دهره؛ وقصدك مستجيرا من عثرته، ومثلك إلى مشاركته، وحض على إسلاف البر إليه، ورغب في وضع الصنائع لديه.