من الإنعام، والإحسان والمبرة والإكرام، وملكته زمام أعنة الجنود، وأظللته بظل خافقة البنود، وأرضعته ثدي الحرب، وجرأته على مقارعة الطعن والضرب، وأنفذت أمره ونهيه، وأجزت فعله ورأيه، فقصرت عليه أقاصي المطامع، وأشير نحوه بالأصابع، ودعي بالرئيس الأمير، ولقب بالمؤيد المنصور، إلا أن ظن المرء يخطئ ويصيب، ولله أستار دون علم الغيوب، وليس على المرء ضمان العواقب، ولا كلف سوى الاجتهاد في المطالب، فإنما هو بشر، يقضي بما ظهر، ولله ما بطن واستتر:
فان كان ذنبي أن أحسن مطلبي أساء، ففي سوء القضاء لي العذر
وكان ينبئ ظاهره من الاجتهاد منتهى الاستطاعة، ويجزي أمره إلى غاية اللازم من حدود الطاعة، إلى أن علق به أغواه من شياطين الإنس فزين له زخرف الغرور [43ب] والفسوق، وقذف به في هوة الخذلان والعقوق، فأحال طينته إلى أخبث الترب، وقد تعدي الصحاح مبارك الجرب، ونقله من الطبع الكريم، إلى الخلق الذميم، وعوضه من طاعة الرب والأب، آفة الكبر والعجب، وحين لبس ثوب الغرة والخيلاء، وقاد الجيوش ملء الفضاء، واستضاف إليه من استضاف من شرار القرناء، طمع في بلد، لا تكون عليه فيه يد أحد، ليستعمل السفه والجهل، ويهلك الحرث والنسل، ويأبى دفاع الله من ذلك