وشفعه، فأجاب إسماعيل إلى أبيه، ودخل إشبيلية ليلا، ونكب [به] عن قصره إلى بعض دوره بالقرب منه، ومنعه أن يدخل عليه أحد، وصرف الله على عباد جميع ما كان احتمله إسماعيل ابنه من ماله وذخائره لم يحرم منه شيء، حتى إن زامله من زوامله قصرت عنه عند جده في السير وغادرها في الصحراء رازحة، فوقعت إلى بعض فرسان والده الذين سرحهم لاقتفاء أثره، فقبض عليها وصرفت إلى اشبيلية بحملها لم يقطع لها حبل، فزعموا أن وقرها كان مالا صامتا وذخائر تفوق قيمة، وأظفر الله عبادا بولده فيما آتاه من ذلك، فاثر الشفاء على المغفرة، إلا أنهم - زعموا - لحقته [38 ب] لهذا الحادث وفظاعته وطرقه من مأمنه وفساد لأكرم أعضائه عليه، وعمدة ثقاته لديه، خشية فلت عزمه، وحيرت قلبه، فعيت به عما صمد له من أذى قرطبة والجعجاع بأهلها، فتنفس مخنقهم قليلا، وكفت الغارات عنهم وقتا، وسارع سعرهم إلى الانحطاط.
قال أبو مروان: وبلغني أن الذي دبر عليه هربه عن أبيه وتولى كبره، وزيره وصاحبه، أبو عبد الله محمد بن أحمد البزلياني المهاجر إليه عن وطنه مالقة، مختارا له على ملكه باديس، فاعترف له عباد في جهله على نفسه وسوء مورده حجة للعذر في تحكمه عن ذي اللب المقرر لحوطة نفسه، فإن هذا الفتى إسماعيل كان رمى إلى هذا الكهل بمقاليده وفوض إلى رأيه، فلم يبارك له فيه، وشكا إليه بعض ما يناله من فظاظة والده وقسوته ورميه المتالف به، فحسن عنده - زعموا - العقوق له، والذهاب عنه إلى أطراف أعماله العريضة، كيما يقرر عليه، وبنفسه؛ فلما قذف به والده [ما] تعاظمه من حرب قرطبة