أنه مذ دخل يومئذ لم يزل نافر النفس، منقبض الأنس، فلما استشعر الحذر، وأحس بالتغير، ألقى عصا التسيار، وأخذ في اقتناء [33أ] الضياع والديار، حتى ظن عباد أنه قد رضي جواره، واستوطن داره، فاستنام اليه برسالة إلى بعض خلفائه من رؤساء الجزيرة وقته، فجعل أبو محمد يتفادى منها، ويتثاقل عنها وهو يقول: لا أبا لك، تمنعي أشهى لك. ولما انسل من يد عباد انسلال الطيف، ونجا واسأله كيف، رجع إلى مستقره من الشرق؛ وأدار الحيلة على أبي عمر بن الحذاء الحائن، فعوضه بضياعه وعقاره، وزين له اللحاق بدار بواره، وسوء قراره. وقد كان عباد قبل ذلك يعده ويمنيه، ويستدرجه ويدليه، فلما طلع عليه لم يزد على أن أسره وقصره، وأظهر من الزهد فيه، أضعاف ما كان يعده ويمنيه، وجعل أبو محمد ابن عبد البر بعد ذلك ينتقل في الدول، كالبدر يترك منزلا عن منزل، وقد جمع التالد إلى الطارف، وكتب عندنا عن ملوك الطوائف، وقد أخرجت من شواهده على الإحسان، ما يليق بغرض هذا الديوان. وكانت وفاة أبي محمد سنة أربع وسبعين وأربعمائة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015