فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي محمد عبد الله ابن الفقيه أبي عمر بن عبد البر النمري وسياقه فصول من ترسيله، تشهد لمن قال بتفضيله.

كان أبو محمد قد حل من كتاب الإقليم، محل القمر من النجوم، وتصرف في التأخير والتقديم، تصرف الشفرة في الأديم، وله ولأبيه قلبه لواء سبق، ولسان صدق، وكفى بأبيه علما لا يخفى، ورحما من العلم لا تجفى، وتواليفه اليوم تيجان رؤوس العظماء، وأسوة العلم والعلماء. ولما شأى أبو محمد بالأندلس الحلبة، وتبحبح صدر الرتبة، تهادته الآفاق، وامتدت اليه الاعناق، ففاز به قدح عباد بعد طول خصام، والتفات زحام، فأصاخ أبو محمد لمقاله، وتورط بين حبائله وحباله، وحل البلد النكد، وركب يومئذ الأسد الورد، وعلى ذلك فكان غص أبو الوليد ابن زيدون بمقدمه، وجهد - زعموا - كل جهد في إراقة دمه، ولهما في ذلك خبر سارت به الركبان، وسمر تهادته السفار في جميع البلدان.

ولما رأى أبو محمد أنه قد باء بصفقة خسران، وأن العشاء قد سقط به على سرحان، أدار الحيلة، وابتغى إلى الخلاص الوسيلة: زعموا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015