يدعى البقيلة، كان عندهم مشهور المنزع، مضروبا به المثل في برد المقطع، وقد حمل قناة فاعتقلها، ولبس فروة فحولها، وفي رأسه قلمون طويل، أبرد من طلعة العذول، فقال ابن طاهر لابن أخيه: يا بني أين المهرب - قد قامت علينا كل قبيلة حتى العرب، ما أرى هذا إلا عمرو بن يكرب أو يزيد بن الصقب.

وحكوا أن ابن أخت لابن رشيق ذا لحية طويلة، وطلعة ثقيلة، وقف عليه يوما وهو معتقل عندهم، فجعل يتوجع له ويتفجع، ويتملق معه ويتصنع، فقال له ابن طاهر: خلاصي بيدك إن شئت، لو أخرجتني في لحيتك لتخلصت وخفيت. إلى نوادر كثيرة، وأوابد عنه مأثورة، إيرادها خارج عن غرض هذا التصنيف، وليست من شرط هذا التأليف.

ولابن طاهر أيضا في الجود نوادر تشهد أن كرمه لم يكن تكرما، وأن مجده لم يكن تكسبا ولا تقحما: مر به ولد ابن عمار بعد مقتل أبيه، في فئته القليلة، وساقته المنكوبة المفلولة، وقد لفظتهم البلاد، وأنكرهم الطريف والتلاد، وتغير لهم الأشكال والأضداد، ورحمهم الأعداء والحساد، فأقبل عليهم ابن طاهر ببقية حال هم جنوا عليه إدبارها، وحكمهم في فضل ثياب هم [6أ] سلبوه خيارها، وخلى بينهم وبين ماء طالما حلأوه عن برده، ودفعوا في صدره دون ورده، تعالى من لا يذل سلطانه، ولا يجحد إحسانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015