في أثناء تلك الحال، متردد بين النكبة والاعتقال، فبعد لأي ما سعى له الوزير أبو بكر بن عبد العزيز، زعيم بلنسية - كان - في ذلك الأوان، فخلص بعد أبو عبد الرحمن، خلوص الثريا من يد الدبران، والتقى هو وابن عمار ببلنسية بعد ذلك، وقد استوى الغالب والمغلوب، وضعف الطالب والمطلوب، وكان أبن عمار أخفش، فقال له ابن طاهر، وكان كثير النوادر: كذا يا أبا العينا، لا أنت ولا أنا. فصار ابن عمار مع ابن رشيق تحت المثل: " أنفقت مالي وحج الجمل ".
ولابن طاهر عدة نوادر أحر من الجمر، وأدمغ من الصخر: أرسل إليه ابن عمار وقت القبض عليه، وهو معتقل بين يديه، يعرض له خلعة يتسربلها، ويشير إليه بكرامة: هل يقبلها - فقال لرسوله: لا أختار من خلعه - أعزه الله - إلا فروة طويلة، وغفارة صقيلة. فعرفها ابن عمار واعترف بها على رءوس أشهاده، وبحضرة من وجوه قواده وأجناده وقال: نعم إنما يعرض بزيي يوم قصدته، وهيئتي حين أنشدته، فسبحان من يعطي ويمنع، ويرفع من يشاء ويضع.
وحدثني غير واحد من أهل مرسية قال: لما قام البلد على أبن طاهر خرج هو وابن أخيه مخفيين لأنبائهما، هاربين بذمائهما، وكل شيء لهما رصد، وفي كل فج عليهما عين ويد، فلقيا رجلا من أهل مرسية