نسخت من كتاب أبي مروان ابن حيان، قال: كان مجاهد فتى أمراء دهره، وأديب ملوك عصره، لمشاركته في علم اللسان، ونفوذه في علم القرآن، عني بذلك من صباه وابتداء حاله، إلى حين اكتهاله، ولم يشغله عن التزيد عظيم ما مارسه من الحروب برا وبحرا، حتى صار في المعرفة نسيج وحده، وجمع من دفاتر العلوم خزائن جمة، وكانت دولته أكثر الدول خاصة، وأسرارها صحابة، لانتحاله العلم والفهم، فأمه جملة العلماء، وأنسوا بمكانه، وخيموا في ظل سلطانه، واجتمع عنده من طبقات علماء قرطبة وغيرها جملة وافرة، وحلبة ظاهرة. على أنه كان - فيما بلغني - مع أدبه من أزهد الناس في الشعر وأحرمهم لأهله، وأنكرهم على منشده، لا يزال يتعقبه عليه كلمة كلمة، كاشفا لما زاغ فيه من لفظة وسرقة، فلا تسلم على نقده قافية، ثم لا يفوز المتخلص من مضماره، على الجهد لديه، بطائل، ولا يحظى منه بنائل، فأقصر الشعراء لذلك عن مدحه، وخلا الشعر من ذكره؛ وكان مع ذلك بهمة، وأكثر الناس علما بالثقافة، فلا يضم من الفرسان إلا الأبطال الشجعان، ولم يكن في الجود والكرم ينهمك فيعزى إليه، ولا قصر عنه فيوصف بضده، أعطى وحرم، وجاد وبخل، فكأنه نجا من عهده الذم. ثم اكثر التخليط مجاهد في أمره، فطورا كان ناسكا مخبتا معتكفا متبرئا