الكتاب القرطبيين الذين أصبحوا يومئذ أيدي سبا وتفاريق العصا، فشاركوهم في نعمتهم، وألقوا إليهم بأزمتهم، متمهدين بتدبيرهم لأكنافهم، مؤتمين بهم في شقاقهم وخلافهم.
وقد كان الملك سليمان أسف على جماعة هؤلاء الفتيان لشرودهم عنه، وانتباذهم منه، وراسلهم بجملة رسائل [5أ] من إنشاء ابن برد وغيره من كتاب دولته، رجاء في كرة الدولة بهم، مقتنعا منهم بالطاعة، حسبما فعله مجاوروهم من أهل الثغور، ليكون من وراء التدبير، ويأمن من الهضيمة، في إنفاذ الصريمة، فصموا عن رقاه وطردوا رسله، وخرسوا عن إجابته على كتبه، وتجردوا لحربه - حسبما قد وصفته في أخبار سليمان وكاتبه ابن برد أول هذا الديوان -.
ومنهم مجاهد المنتري يومئذ على دانية والجزائر الشرقية نذكر أيضا طرفا من خبره النادر، لأنه من غلمان ابن أبي عامر، وأن كان لم يذكره القسطلي أبو عمر، فأخباره تتعلق بأخبار من ذكر، لأنه على قوالبهم صب، ومن ثناياهم أنصب، وفي سبيلهم من الخلاف أوضع وخب. على أن إليه كانت هجرة أولي البقية، وذوي الحرية، من هذه الطبقة الأدبية القرطبية، للين جنابه، وذكاء شهابه.