وهذا معنى فلسفي، قلما عرج عليه عربي، وإنما فزع إليه المحدثون من الشعراء، حين [93ب] ضاق عنهم منهج الصواب، وعدموا رونق كلام الأعراب، فاسترحوا إلى هذا الهذيان استراح الجبان إلى تنقص أقرانه، واستجادة سيفه وسنانه؛ وقد قال بعض أهل النقد إنه عيب في الشعر والنثر أن يأتي الشاعر أو الكاتب بكلمة من كلام الأطباء، أو بألفاظ الفلاسفة القدماء؛ وإني لأعجب من أبي الطيب، على سعة نفسه، وذكاء قبسه، فإنه أطال قرع هذا الباب، والتمرس بهذه الأسباب، وذكاء المعري: كثر به انتزاعه، وطال إليه إيضاعه، حتى قال فيه أعداؤه وأشياعه، وحسبك من شر سماعه، وإلى الله مآله، وعليه سؤاله.
وإنما سلك عبد الجليل في هذا المعنى سبيل القائل حيث يقول:
يا سالكاً موئلاً يكلمنا ... عرج أخبرك خالص الفائد
حسمك والنفس خلتا عرضٍ ... وكل خل لخله قائد
والنفس تلقى الخلود إن خلصت ... والجسم لا باقياً ولا خالد وقال المتنبي:
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم ... إلا على شجب والخلف في الشجب
فقيل تخلص نفس المرء سالمةً ... وقيل تشرك جسم المرء في العطب وقال: