وذكرت بمقتل عبد الجليل - رحمه الله - ومفره أعجوبةً من الزمان وحديثاً ظريفاً من الحدثان: كان بحضرة إشبيلية أيام ماجت بها على المعتمد الفتنة، ودارت عليه رحى المحنة، أبو القاسم ابن مرزقان، من شعراء الدولة، ونبهاء أهل الحضرة، ممن مت إليها بقديم جوار، لا ببارع أشعار، وأدل عليها باسم مرزقانه، لا بفضل بيانه، وكان في بني عباد عجب بكثرة عددهم، وعصبية لأهل بلدهم، وكان أبو القاسم هذا حلو الحوار، نادر الأخبار، وكان به على ذلك توهم يخرجه إلى حين الفرار السلمي، وغفلة تشهد عليه بلوثة أبي حية النمري، وكان هو وعبد الجليل من بين سائر أهل القريض، في طرفي نقيض، هذا يتعصب لسلطانه بهواه، وعبد الجليل يقفو الصواب يزعمه ويتحراه، فكانا ربما اجتمعا فيكون بينهما بون بعيد، وشقاق شديد: فأما عبد الجليل فقد ذكرت الخبر عما فعل، وشرحت كيف قتل، وأما أبو القاسم هذا فإنه غرة القتال فأقدم عليه، وهيت له القتل فبرز إليه، على حال لو تخيل بها المجد لجحده، وفي يوم لو رآه دون الماء لما ورده، فأدركه سوعان الرجالة