هوى بين النجوم له قباب ... ومع أنها ليست لاحقةً بعيون شعره، لما سعها ابن عمارٍ خادم الدولة يومئذ طار بذكره، وأجناه ثمارها، وباهى به أقمارها، وخلع عليه أصائلها وأسحارها، ووافق من المعتمد ناقداً بصيراً، وعاشقاً قديراً، فأغلى بتلك الأعلاق، وأقام له الدنيا على ساق، وقصر عبد الجليل على هواه، فلم يرحل إلى ملك سواه.
وكانت له كل عامٍ رحلة، يتعهد فيها بلده وأهله، فحدثني غير واحد أنه اجتاز بالمرية، في بعض رحله الشرقية، وملكها يومئذ قبلة الأمال، وقطب رحى الآمال، ومرمى جمار المدائح، أبو ابن صمادح، فاهتز لعبد الجليل واستدعاه، وعرض له بجملة وافرة من عرض دنياه، فلم يعرج على صفده، وبادر العيد - وكان قريباً - بالارتحال عن بلده، وقال في ارتجال:
دنا العيد لو تدنو لنا كعبة المنى ... وركن المعالي من ذؤابة يعرب
فيا أسفا للشعر ترمى جماره ... ويا بعد ما بيني وبين المحصب ولما ابتدأت الفتنة بالمعتمد، بادر الخروج عن البلد، فلم يغن عنه نفاره وأدركه مقداره، على قربٍ من مرسية، لقي قطعةً من خيل النصارى فتورط فيهم، وقضى الله له بالشهادة على أيديهم.